كن مثل طعم الماء عذبا" وباردا" ** على الكبد الحرى لكل صديق
تأملت الماء وما فيه من عبر ومنافع فأيقنت أن الشاعر قد أصاب حين طلب منا أن نكون لمن حولنا كالماء البارد على الظما...فكيف نكون كذلك
يمكننا معرفة الإجابة عن طريق استعراض أربع من خصائص الماء وتطبيقها على عقولنا وقلوبنا..
أولها:
البحث عن التوازن:
الماء يتدفق أبداً من الأعلى إلى الأسفل بحثاً عن المستوى الخاص به، وإذا كان في حالة عدم توازن فإنه يتدفق حتى تحقق له قوته الانسجام والاتزان المطلوب.
وإنه مما يحقق السعادة في الحياة... الوسطية، والتوازن، وسط في العبادة فلا غلو ينهك الجسد، ولا تفريط تطرح منه النوافل وتخدش منه الفرائض. وسط في الخلق: بين الجد المفرط، واللين المتداعي، بين العبوس الكالح والضحك المتهافت، بين العزلة الموحشة، والخلطة الزائدة عن الحد...
وكثيراً ما تقع المشكلات والخلافات نتيجة سيطرة العقل على العاطفة أو العكس، وإهمال متطلبات الأسرة بحكم الانشغال بهموم العمل، والانغماس في ملذات الدنيا على حساب الآخرة ،{وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا }(القصص:77)
ثانيها: الامتصاص:
أيا كان الشيء الذي يُلقى داخل كيان مائي، فإن
الماء يستجيب على النحو المناسب له، إنه لا يستعدِ ولا يحمل في قلبه الحقد، بل يتلقى فحسب... ويعود مرة أخرى إلى الهدوء!
فليكن صدرك مقبرة تدفن السهام القاتلة، والكلمات الجارحة، فإن سمعت من شخص كلمة نابية، أو هجاءً لاذعاً فأمتها بالتجاهل وكأنه يقصد غيرك.. وقديماً قال السلف:"الاحتمال دفن المعائب"
ما يضير البحر أمسى زاخراً *** إن رمى فيه غـلام بحجـر
ثالثها: الإصرار:
بلا كلل ولا ملل يسير
الماء في طريقه بخطى ثابتة.. فلا يتوقف ولا يتذمر،
بل شعاره:
لأستسهلن الصعب أو أدرك المنى ** فما انقادت الأمال إلا لصابر
والدرس الذي نتعلمه.. ليكن لك حلماً في هذه الحياة تسعى من أجل تحقيقه، بدلا من أن تكون مجرد شيء صغير لا وزن له ولا قيمة، هدفاً يترك أثراً خالداً في نفوس الآخرين، وبصمة واضحة ترفع قدرك عند الله وترسم البسمة على الشفاة..
إن حلماً كهذا يحتاج إلى الصبر والجلد..
وقلَّ من جد في أمر ليطلبه ** واستصحب الصبر إلا فاز بالظفر
رابعها وأجملها: الحفاظ على الجوهر:
رغم أن شكل
الماء دائم التغير، سواء أكان يبدو في شكل الثلج أو البخار، أو كان ساكناً بهدوء..أو مندفعاً بعنف..إلا أن جوهر الماء يظل مكوناً من ذرتي هيدروجين وذرة أكسجين واحدة.
ومنذ أن خلق الله آدم إلى أن ينهي العالم، لم يتفق اثنان في الصورة الخارجية للجسم بحيث ينطبق شكل هذا على ذاك{ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ } (الروم:22).
فلماذا يريد البعض أن يتفقوا مع الآخرين في صفاتهم ومواهبهم وقدراتهم!!
إن التقليد في الحركات واللحظات ونبرة الصوت والالتفات، وأد للشخصية وانتحار معنوي للذات..
فلا تذب في شخصية غيرك.. وكن أنت صاحب المبدأ السليم... والعقل النير الكبير مهما تغير المكان وتباعد الزمان.
كن مثل الماء عذبا وباردا .!!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق