إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الأربعاء، 31 مايو 2023

فن الانصات



نحتاج إلى من يعزز فينا فنّ الإنصات، ويعلّمنا فضيلة التلقّي، ويلفتنا إلى مقاعد الجمهور الخالية من الناس، في مقابل الزحمة التي تشهدها خشبة المسرح.
نعيش في وقتنا الراهن أزمة في التلقي، لا من جهة عدم الفهم، وإنما من جهة العدم نفسه، فلا يوجد في الساحة الثقافية والاجتماعية من يريد أن يكون في مقعد المتلقّي، حتى عزّ وجود المتلقين في مقابل وفرة المنتجين ومدّعي صناعة المعرفة وبائعي الكلام في كل حقل، وفي كل سوق.
هذه الظاهرة التي أوجدتها مواقع التواصل الاجتماعي ومنصات السوشل ميديا بمختلف أشكالها جعلت المعرفة في كل حقل غير مفيدة ولا مؤثرة، بل وأطفأت الشغف في التلقي الذي هو أساس الإبداع وصانع التفوّق والتميز.
إن العودة إلى المقاعد الخالية والانحياز إلى النظارة وفئة المنصتين، هو الطريق الأول لإعادة الاعتبار للمعرفة وهو جوهر الثقافة، فالثقافة صقل لا استزادة، وتشذيب وتهذيب لا تلقين وتحصيل لمجرد الثرثرة على منصات الإعلام الجديد.
لقد اكتظت خشبة المسرح بالوجوه، وازدحم النص المعرفي بالأدوار التي سالت على أطراف المنصة المركوزة أمام المقاعد الخالية، فلا وجود للمتلقي، وكأنّ العالم كله استحال إلى مسارح ومنابر ومنصات، في مشهد ساخر ليس فيه سوى ألسنة تلوك الكلام دون أن ترى في الطرف الآخر أذنا واعية أو وجها واحدًا عليه ملامح الدهشة والشغف.

ليست هناك تعليقات: